الألغاز والأحاجي وغريب اللغة في مقامات الحريريّ
محتوى المقالة الرئيسي
الملخص
توطـــــئة :
المقامات من أهـــم ما لفت الباحثين والدّارسين للغة والأدب وسبب ذلك ما احتوته من غريب اللغة ونفائسها وهذا يعود بالفائدة العظيمة من بحثها ودراستها ، وقد بـــــــرز الاهتمام بهذا الفن من مطلع القرن السادس الهجري لينطلق العلماء ينشرونه لفائدته ، حيث إن الهدف من المقامات هدف تعليمي َّ ، الأمر الذي حذا بالعلماء والباحثين في اللغة والأدب أن ينكبّوا على شـــــــــــرح القامات ودراستها وإبراز ما فيها من غريب اللغة والنكت والأحاجي .
وقد ألمح الدكتور شوقـــي ضيف إلى أن المقامات " أريد بها التعليم منذ أوّل الأمر ، ولعله من أجل ذلك سمّاها بديع الزمان الهمذاني ، مقامة ، ولم يسمّها قصة ولا حكاية ، فهي ليست أكثر من حديث قصير ، وكلّ ما في الأمر أنَّ بديع الزمان حاول أنْ يجعله مشوّقاً فأجراه في شكل قصصيّ ، وعُمّيَ على كثير من الباحثين في عصرنا فظنُّوها ضرباً من القصص وقارنوا بينها وبين القصة الحديثة ، ووجدوا فيها نقصاً كثيراً ، وهذا حَمْلٌ لعمل بديع الزمان على معنى لم يقصد إليه " ([1]).
هذه الدراســــــــة ( الألغاز والأحاجي وغيب اللغة في مقامات الحريريّ) تهدف إلى تقصّي منهج الحريريّ في تأليفه المقامات في سبر ظاهرة الغريب اللغوي ، وطريقه في رسم المنهاج التعليمي لشـــرح هذه الجوانب اللغوية التي شحنها مؤلفه ، وإبراز طرائقه في لفت الدارس إلى هذه الظاهرة عن طريق الأحاجي والألغاز والنكت التي سَيَّــــج بها ظاهرة الغريب اللغوي .
ولاشك أنَّ أهمية هذه الدراســـة تكمن في أهمية هذا الكتاب – مقامات الحريري – الذي احتوى مسائل غريب اللغة شرحاً وتحليلاً ، وتوضيحاً ؛ ليمثل منهجاً تعليمياً يؤسس عليه طرائق البحث العلمي في اللغة والأدب العربيين ، ومما زاد أهمية هذه الدراسة سعة انتشار هذه المقامات الحريرية وكثرة شرَّاحها ، ولهذا اختار الباحث أنْ يلفت إلى هذه الجوانب التي أشار إليها المؤلف من غريب اللغة وكيف أدار جوانبها ، وقد ســــرت في هذه الدراسة وفق المنهج الوصفي التحليلي حيث رأيت مناسبة ذلك لتحقيق الهدف من وراء هذه الدراسة وأنه يحيط بجوانب البحث جميعها .
أولى الحريريّ اهتماماً كبيراً بغريب ألفاظ اللغة في مقاماته التي اتخذ في تأليفها منهجاً تعليمياً يفسر من خلاله الإعراب في اللغة بأسلوب يشدّ به عقول الدارسين ، ومن هنا يجب وضع هذا الموضوع على بساط البحث ، تفسير معنى الغريب لغةً واصطلاحاً ودور المقامات الحريرية في تناول هذه الظاهرة وتوجيه الدارسين إلى معرفة أسرارها وحلَّ مشكلها .
اللغة العربية الفصحى التي ينطقها العربي الفصيح الصحيح لا يمكن أنّ يقع فيها لفظ غريب ، حيث نطقها العربي بفطرته وسليقته ، وهي لغة أشعارهم ، ولهذا كانت لغة القرآن ، الذي نزل بلفظهم الواضح الهادف لهدايتهم بلغتهم الواضحة المفهومة لديهم.